top of page
Asset 1_edited.png

WELCOM IN CELLO BLOG

Writer's pictureBasel Bunni

أليسْ في بلاد العجائب بين الخيال و الواقع

" أوربا حلم و طموح لكل سوري أن تطأها قدماه ليشرع في بناء مستقبله الذهبي".


باسل بني ـ ألمانيا



عندما وصل إلى أوربا تفككت الصورة و بدأ الحلم يتلاشى رويداً رويداً، حدث ذلك عندما لم يرَ باريس مدينة الحب والفن كما هي في الأفلام والروايات، ولم يرَ لندن مدينة الضباب و شكسبير كـ لندن اليوم، وبرلين العريقة التي خاضت فيها الجيوش العالمية هي برلين اليوم، وبلاد الفايكنغ التي جابت قصصهم الشاشات البلاد الاسكندنافية - بلاد الأقزام السبعة- ليست هي كحالها اليوم البلاد الباردة النائمة . لم تخدعه مظاهر التطور و الحضارة الحديثة و لم يجد نفسه كما كان يعتقد بعيداً عنها مئات السنين الضوئية رغم تطور شعوبها و تقدمهم ، بل و باتت النساء الأوربيات التي كانت كالدمى الجميلات نسوة عاديات فعاود يبحث بينهن عن عبلة و بثينة و ليلى لعله يغرم بإحداهن، و حتّى ذاك الرجل الأوربي الوسيم ذو الملامح الجذابة و العضلات المفتولة لم يعد فارس الأحلام فأين عنترة و قيس و جميل... ها هم السوريون الآن لم تقنعهم واقعية تشارلز ديكنز و انطباعية فان كوخ و لا حتى تكعيبية بيكاسو أو سيريالية دالي، ولم تغرِهم تغريبات بريخت و شعر غوتيه وإبداع دافنشي، و ديلارتي موليير لم تضحكهم... بل ظلت مخيلاتهم تجول في حكايا ألف ليلة وليله و شهرزاد و آنست شعر المتنبي و القباني و ظلت تتراءى لهم أطلال حلب و قلعتها، أوغاريت و أبجديتها ، دمشق و قاسيونها و نواعير حماه وبادية حمص و تدمرها وفرات جزيرتها و آشور ، و شواطئ الأزرق و سفن الفينيق... طائر الفينيق هذا حمل معه الحلم وحلّق بعيداً ليبقى الواقع المرير يعصف في الداخل و الخارج بالتخبط و الاحباط و اليأس.
انتهت المقدمة بينما هي أنصفت البعض و لم تنصف البعض الآخر .. لكن هنا سأكتب الواقع بعناوين عريضة كما هو دون الخوض في التفاصيل و الشكليات الصغيرة.
و بذلك أرى أن قلة هم من استطاعوا التأقلم مع المجتمع الغربي رغم الاندماج السريع في سوق العمل بالنسبة للسوريين. و هذا لا يعني بالضرورة أن الإندماج بالمجتمع الغربي في مجال التعليم و سوق العمل يؤدي إلى الانصهار فيه.
الأمر نوعاً ما معقد، و لتبسيط الأمر سألجأ لتقسيم المجتمع السوري – اللاجئ - في المغترب إلى فئات عمرية و شرائح أو طبقات مجتمعية.
الفئة الأولى و هي الأكثر إندماجاً و بالتالي الأكثر تأقلماً هي فئة الشباب. هؤلاء من قدموا إلى أوربا أطفالاً أو يافعين و استمروا في نشأتهم و تلقنوا تعليمهم في المجتمعات الغربية مع رقابة و توجيه من الأهل فامتزج ذلك مع الموروث الاجتماعي الذي أثّر في نشأتهم المبكرة في سوريا.
هم الذين بدأت طفولتهم في الحرب و أكملوها في أحضان الرعاية و الرفاهية الأوربية و أكملوا تعليمهم في مدارسها و جامعاتها. هذه الفئة تنظر إلى مستقبلها بواقعية أكثر و ترجح بقاءها في سوق العمل الأوربية تماشياً مع الواقع العملي للغرب . فهؤلاء الشباب منفتحون على الثقافة الغربية المتمثلة في الجانب العملي للحياة كون الغرب بحد ذاته تقلصت ثقافاته الفنية و الأدبية و الرومانتيكية و حوصرت المجالات الإبداعية فيه بل تلخصت و اقتصرت على جوانب العمل و السياسة .
الفئة الثانية الأقل إندماجاً و بالتالي الأقل تأقلماً هي فئة الشباب الذين شرعوا في بناء مستقبلهم في وطنهم الأم و لم يكملوه فانطحنت أفكارهم و تجاربهم في أتون الحرب و ضاع جهدهم في سنواتها و في محاولات غير مجدية لدى معظمهم فقدوا الأمل في استمرارية مشاريعهم المستقبيلية في البلاد الباردة. فمنهم من بدأ بتغيير خططه و نهجه و منهم من ضاع بين طموحه و متطلبات سوق العمل الأوربية .
هذه الفئة لسنوات مازالت تعاني و تصارع للبقاء على قيد الأمل . لجأ البعض إلى تغيير تخصصاتهم الدراسية رغماً عنهم لأنها لا تتوافق و قوانين العمل أو سوق العمل الأوربية و متطلباته، و غيرهم ما زال يقامر على أحلامه و طموحه  . إذاً لماذا هذه الفئة هي أكثر من تعاني في مسألة التأقلم رغم إندماجها في سوق العمل و التعليم؟ ، ربما لم تتقبل ثقافة التغيير أو ربما بلاد العجائب التي كانت في مخيلة أصحابها لم تكن هي ذاتها .. ربما هي تلك الصدمة التي أشارت لهؤلاء الشباب أن توقفوا.. ترجلوا عن صهوة الحصان فعليكم الآن أن تمشوا مسافات أعماركم المتبقية جنباً إلى جنب مع أفكارنا و حاجتنا إليكم.
لكن و للدهشة بعض التخصصات و التجارب القليلة نجت في الرمق الأخير و تجاوزت تلك الصدمة إلّا أنها جوبهت بعراقيل و مطبات البيروقراطية الأوربية و تحديداً الألمانية فقاومت وتسلقت كل ذلك ، نجح البعض و البعض ما زال يعاني .
أين طائر الفينيق حلّق ، اختفى.. و أين حطّ. هذا هو الشغل الشاغل للفئة الأقل إندماجاً و تأقلماً ، هي تلك التي أغمضت الجفون ليلة القصف ليس تعباً و إرهاقاً إنما خوفاً على صغار الفينيق و فتحتها على لوحة من لوحات بيكاسو و فان كوخ فتداخلت التربيعية مع السيكولوجيا و لم تفهم ماذا حصل.
و لو أردنا أن نقسّم هذه الفئات  الثلاث إلى شرائح و طبقات اجتماعية فلا بد لنا أن نناقش الموضوع من جوانب إيديولوجية و دينية و ثقافية و عرقية و هنا لا أودّ أن أخوض بهذه المسألة الحساسة لأن المفرزات السورية ليست متشابهة مع المفرزات الغربية و لا سبيل للتطابق ولنبقِ على العنوان كما هو ( في بلاد العجائب بين الخيال و الواقع) .
باسل بني ـ ألمانيا
24.05.2024




0 views0 comments

Comments


Address

Fasanenallee 8 

66740 Saarlouis

Germany

Phone

+49 17672294023

Email

Connect

  • Instagram
  • Facebook
  • Youtube
  • LinkedIn
bottom of page